بحـث
المواضيع الأخيرة
قصة الحكومات التركية
صفحة 1 من اصل 1
قصة الحكومات التركية
قصة الحكومات التركية
أول انتخابات نيابية عامة
انقلاب 1960
إخطار 12 مارس
انقلاب 1980
عهد أوزال
عودة الحكومات الائتلافية
رئاسة أربكان
تخوض الجمهورية التركية في الثالث من نوفمبر/تشرين الثاني 2002 الانتخابات التشريعية الرابعة عشرة منذ تأسيسها في عام 1923. لقد شهد تاريخ تركيا الحديث حوالي 200 حزب سياسي حتى اليوم، لكننا لا نذكر معظم أسمائها ولا رموزها، لأنها انطوت في صفحات التاريخ. وقد تم تشكيل 56 حكومة منذ أول انتخابات نيابية جادة عام 1950، واستلم السلطة بمفرده الحزب الديمقراطي (DP) ثلاث مرات، في حين فاز بها حزب العدالة (AP) مرتين، وحزب الوطن الأم (ANAP) مرتين كذلك. والجدير بالذكر أن هذه الأحزاب الثلاثة كلها أحزاب تمثل وسط اليمين، ولم يتمكن اليسار من التفرد بالسلطة منذ أن انتقلت تركيا إلى التعددية السياسية عام 1950 حتى يومنا هذا.
لقد تم تشكيل أول حزب سياسي في تاريخ تركيا من قبل مصطفى كمال أتاتورك سنة 1923، وهو حزب الشعب الجمهوري. وتشكلت أحزاب مختلفة في السنوات التالية في الأعوام 1924 و1930، لكنها لم تجد الجو الملائم لمواصلة نشاطها السياسي فأغلقت. وعاشت البلاد وتيرة حكم الحزب الواحد حتى نهاية الحرب العالمية الثانية. ورغم أن تركيا لم تدخل الحرب فإن انعكاساتها كانت قاسية عليها حيث عصفت بالبلاد أزمة اقتصادية عنيفة حتى بات لا يجد المواطن الخبز إلا بالوثيقة، وكانت حرية التعبير شبه معدومة والنظام أقرب إلى الدكتاتورية. أضف إلى ذلك أن الشعب التركي لم يكن يتمكن من أداء الشعائر الدينية بحرية، فالأذان كان يسمح به باللغة التركية فقط والمدارس الدينية أغلقت. وساعد الاقتصاد السيئ وتضييق الخناق على حرية التعبير والدين في تشكيل جبهة معارضة ضد حزب الشعب الجمهوري الحاكم. كانت البلاد تحتاج إلى تغيير مع تغير القوى في التوازن الدولي بعد الحرب العالمية الثانية.
وفي عام 1945 شهدت الساحة السياسية التركية خروج أربعة نواب على قيادة حزب الشعب الجمهوري بسبب سياساته السيئة. كان هؤلاء الأربعة هم عدنان مندرس وجلال بيار وفؤاد كوبرولو ورفيق قورالتان. وبعد أن تم إخراجهم من الحزب أعلنوا تشكيل حزب جديد أسموه الحزب الديمقراطي (DP) وانتخبوا عدنان مندرس زعيما له. وهكذا انفتح الطريق أمام تأسيس الأحزاب السياسية وتم كسر ربقة الحزب الواحد في السياسة التركية.
وفي أول انتخابات أجريت في 21 يوليو/تموز 1946 دخلت تركيا الحياة الديمقراطية وإن لم يخل ذلك من معوقات حيث لم تكن عملية إدلاء الأصوات سرية، في حين كانت عملية الفرز غاية في السرية. ولم يتمكن الحزب الديمقراطي من المشاركة في الانتخابات إلا في 16 محافظة، فحصل على 62 نائبا رغم ذلك، في حين فاز حزب الشعب الجمهوري بـ396 مقعدا في البرلمان.
كانت انتخابات 1950 منعطفا تاريخيا هاما في مسيرة تركيا الديمقراطية حيث انتصر الحزب الديمقراطي على حزب الشعب الجمهوري بأغلبية ساحقة هذه المرة. كان يدعو إلى التجديد والحرية والديمقراطية والانفتاح على العالم وإنشاء المصانع وفتح المدارس والجامعات وجعل تركيا أميركا صغيرة. ولأول مرة في تاريخ تركيا فقد الحزب الحاكم السلطة التي تولاها مدة 27 عاما. حصل الحزب الديمقراطي على نسبة 52.68% من الأصوات وفاز بـ397 مقعدا من مجموع 487 مقعدا في البرلمان وتفرد بالسلطة. تولى عدنان مندرس منصب رئيس الوزراء، أما جلال بيار فانتخب رئيسا للجمهورية.
تعتبر هذه الفترة فترة خروج تركيا من عزلتها وكسرها للأغلال التي تحيط بها حيث انضمت إثر ذلك إلى عضوية حلف شمال الأطلسي (الناتو) وأرسلت كتيبة إلى حرب كوريا طبقا لقرارات الأمم المتحدة. ودخلت البلاد في مرحلة عمرانية جيدة، فتم تأسيس المصانع وإنشاء السدود والطرقات والجسور والمدارس والجامعات. وتربع رئيس الوزراء عدنان مندرس في قلب الشعب عندما أعاد الأذان إلى أصله باللغة العربية وأدخل الدروس الدينية إلى المدارس العامة وفتح أول معهد ديني عال إلى جانب مراكز تعليم القرآن الكريم.
في انتخابات 1954 أعرب الشعب عن حبه وتقديره لمندرس فازدادت أصواته وحصل على 503 مقاعد من أصل 541، واستلم مقاليد الحكم لوحده مرة أخرى، في حين بقي لحزب الشعب الجمهوري 31 مقعدا فقط. لكن الرجل لم يكن يملك عصا سحرية يستطيع أن يحل بها كل مشكلات البلاد، فرغم كافة الإصلاحات والإنجازات الموفقة فإن البلاد كانت تعاني من اقتصاد متدهور وتحتاج إلى مزيد من الديمقراطية والحرية. وانعكست مشكلات هذه الفترة على انتخابات 1957 بعض الشيء، لكنها لم تسلب السلطة من يد مندرس. وكانت نتيجة الانتخابات أن حصل الحزب الديمقراطي على نسبة 48% وشغل 424 مقعدا من أصل 610 في البرلمان، في حين فاز حزب الشعب الجمهوري بـ41% من الأصوات وشغل 178 مقعدا.
أثارت شعبية مندرس وإنجازاته وتوسيعه لدائرة الحريات الدينية حفيظة بعض الأوساط المعادية للديمقراطية والإسلام والتي تعتمد القوة في حل مشاكلها، فشهدت تركيا حركة معارضة لسياسات الحكومة داخل شبان الجيش وطلاب الجامعات، وتفجرت أحداث شغب ومواجهات في الجامعات وانهمرت تيارات الطلاب في مظاهرات كبيرة في شوارع إسطنبول وأنقرة. وأخيرا قام طلاب مدرسة القوات البرية بمسيرة صامتة إلى مجلس الشعب في أنقرة احتجاجا على سياسات مندرس.
كان المتظاهرون يدّعون أن عدنان مندرس يعتزم قلب النظام العلماني وإقامة دولة دينية. وفي صباح 27 مايو/أيار 1960 سمع الشعب التركي من الإذاعة صوت العقيد ألب أرسلان تركش يعلن وضع القوات المسلحة يدها على الحكم. كان هذا بداية الانقلابات العسكرية التي اعتادت بعد ذلك تعطيل الحياة الديمقراطية التركية كل عشرة أعوام. وأمسكت بزمام الحكم مجموعة من الضباط تألفت من 38 ضابطا برئاسة الجنرال جمال جورسل، وأحيل 235 جنرالا وخمسة آلاف ضابط بينهم رئيس الأركان العسكرية إلى المعاش.
أغلقت القيادة العسكرية الحزب الديمقراطي وألقت القبض على رئيس الوزراء عدنان مندرس ورئيس الجمهورية جلال بيار ورفاقه، وأرسل بهم إلى سجن في جزيرة يصي أدا، وبدأت مطاردة الديمقراطيين في كافة أنحاء البلاد. قامت لجنة من العسكريين بمحاكمة المعتقلين في جزيرة يصي أدا، وفي 15 سبتمبر/أيلول 1961 حكمت بالسجن مدى الحياة على رئيس الجمهورية، وبالإعدام على كل من رئيس الوزراء عدنان مندرس ووزير خارجيته فطين رشدي زورلو ووزير ماليته حسن بولاتقان بحجة اعتزامهم قلب النظام العلماني وتأسيس دولة دينية بدلا مكانه. وفي اليوم التالي بعد إصدار القرار أي في 16 سبتمبر/أيلول 1960 تم إعدام رئيس الوزراء عدنان مندرس.
كانت مأساة مؤلمة.. كان الشعب يبكي بأنات مكتومة.. وكان العالم يشاهد الصورة بذهول.. كانت صفحة سوداء في تاريخ تركيا. وبعد أيام نفذ حكم الإعدام بحق رشدي زورلو وحسن بولاتقان، ودفن جثمان الثلاثة في الجزيرة. وبعد عقود وبجهود من رئيس الجمهورية المرحوم تورغوط أوزال تم نقل رفات الثلاثة إلى ضريح خصص لهم في إسطنبول وأعيد اعتبارهم بقرار من البرلمان.
سعت القيادة العسكرية بعد ذلك إلى إخراج دستور يحميها من مغبة الأيام المقبلة، وعقد استفتاء عام على هذا الدستور الذي عرف بدستور 1961 وصدق الشعب عليه بالإيجاب.
وفي عام 1961 تم إجراء الانتخابات التشريعية العامة وانتقلت البلاد إلى النظام الديمقراطي مرة أخرى. كان حزب الشعب الجمهوري يتوقع أن يحصل على أغلبية الأصوات في هذه الانتخابات، لكن الشعب لم يكن ليسمح له بالتفرد بالسلطة بعد أن ذاق من ويلاته في السنوات الماضية ما ذاق. وحصل حزب الشعب الجمهوري بزعامة عصمت إينونو على 173 مقعدا، في حين حصل حزب العدالة الذي كان يعتبر شبه امتداد للحزب الديمقراطي على 158 مقعدا في البرلمان.
وهكذا تشكلت أول حكومة ائتلافية في تاريخ تركيا برئاسة عصمت إينونو. كانت النخبة العسكرية التي قامت بالانقلاب ترى في تولي عصمت إينونو لمنصب رئاسة الوزراء ضمانا لها، ومن ثم تولى إينونو هذا المنصب في كافة الحكومات الائتلافية عدا مرة واحدة.
وفي انتخابات 1965 ظهر في الساحة السياسية سليمان ديميرل زعيما لحزب العدالة الذي خرج يمثل توجهات الحزب الديمقراطي المحظور. حصل ديميريل على 52.8% من الأصوات وأحرز 240 مقعدا في البرلمان، في حين كان نصيب حزب الشعب الجمهوري 28.7% و134 مقعدا.
وازدادت شعبية حزب العدالة بقيادة سليمان ديميرل في الانتخابات التالية عام 1969، فقد تمكن في هذه المرة من التفرد بالسلطة وحصل على 46.5% من الأصوات و256 مقعدا في البرلمان. وفي تلك الأيام بالذات شهدت الساحة السياسية التركية شخصية أخرى اسمها نجم الدين أربكان. أراد أربكان أن يخوض الانتخابات النيابية في صفوف حزب العدالة، لكن طلبه رفض من قبل الحزب، فترشح من محافظة قونيا ودخل البرلمان عضوا مستقلا.
لم تنتقل البلاد إلى الحياة الديمقراطية حتى عام 1973. وفي هذه الفترة شكل نجم الدين أربكان حزب النظام الوطني سنة 1970، لكن محكمة الدستور أصدرت حكما بإغلاقه بدعوى توجهه الإسلامي ومعارضته للنظام العلماني ونيته إقامة دولة دينية. فشكل أربكان حزبا آخر باسم حزب السلامة الوطني في 11 أكتوبر/تشرين الأول 1972. من جانب آخر أسس ألب أرسلان تركش زعيم الحركة القومية في تركيا حزب الحركة القومية وخاض بها انتخابات 1973.
والجدير بالذكر أن التيارات والتوجهات الرئيسية حافظت على وجودها في الحياة السياسية التركية على الدوام وإن تغيرت أسماء الأحزاب التي مثلتها. فنحن نرى أن وسط اليمين الذي كان يمثله في البداية الحزب الديمقراطي بزعامة عدنان مندرس استمر في خط مستقيم عبر حزب العدالة بزعامة سليمان ديميرل وتلاه حزب الوطن الأم بزعامة تورغوط أوزال في الثمانينيات وحزب الطريق القويم في التسعينيات. ونجد أن وسط اليسار احتفظ بوجوده عبر حزب الشعب الجمهوري في الخمسينيات والستينيات والسبعينيات، ولما تم حظره بعد الانقلاب العسكري سنة 1980 حلت محله أحزاب يسارية أخرى أهمها حزب الشعب الاشتراكي الديمقراطي وحزب اليسار الديمقراطي وحزب الشعب الجمهوري مرة أخرى. أما الحركة السياسية الإسلامية التي بدأت مسيرتها بزعامة نجم الدين أربكان بحزب النظام الوطني فقد واصلت طريقها بحزب السلامة الوطني ثم حزب الرفاه الإسلامي ثم حزب الفضيلة الذي تمخض عنه حزب العدالة والتنمية وحزب السعادة. كما واصلت الحركة القومية وجودها تحت أسماء مختلفة مثل حزب الحركة القومية وحزب العمل القومي وحزب الاتحاد الكبير. وهذه التيارات هي التيارات الأربعة التي تقوم عليها السياسة التركية والتي تعكس توجهات الشعب التركي.
وفي انتخابات 1973 كان زعيم حزب الشعب الجمهوري هو بولنت أجاويد الذي حصل على 33% من الأصوات و185 مقعدا بدخوله البرلمان في المركز الأول،
أما حزب العدالة بزعامة ديميرل فحصل على نسبة 29.8% و149 مقعدا، وحزب السلامة الوطني بزعامة أربكان فاز بـ48 مقعدا، في حين لم يحصل حزب الحركة القومية إلا على ثلاثة مقاعد. وتشكلت حكومة ائتلافية برئاسة بولنت أجاويد بين حزب الشعب الجمهوري وحزب السلامة الوطني. وقامت حكومة أجاويد في هذه الفترة بقيادة العملية العسكرية في جزيرة قبرص سنة 1974 واشتهر أجاويد بين الشعب التركي بلقب "فاتح قبرص". لكن هذا اللقب لم يمكنه من التفرد بالسلطة في انتخابات 1977 رغم حصوله على أغلبية الأصوات، فاضطر إلى تشكيل ائتلاف مع سليمان ديميرل.
في هذه الأثناء دخلت البلاد مرحلة من الفوضى بين التيارات اليمينية واليسارية، واشتبك القوميون مع الاشتراكيين والشيوعيين وحصلت مواجهات دموية، وعم الشوارع فوضى رهيبة، وفقدت حكومة سليمان ديميرل سيطرتها على الأحداث، الأمر الذي شكل دعوة صريحة للقوات المسلحة للقبض على مقاليد السلطة مرة ثالثة في تاريخ تركيا.
في صباح 12 سبتمبر/أيلول 1980 أعلن رئيس أركان القوات المسلحة كنعان أوفرين تسلمه لقيادة البلاد وإعلان حالة الطوارئ وحل الحكومة الحالية وحل الأحزاب السياسية والقبض على كافة زعماء الأحزاب والنواب من أجل محاكمتهم.
لم تتمكن البلاد من العودة إلى الحياة السياسية الطبيعية إلا بعد ثلاث سنوات. وخلال هذه الفترة أدخلت بعض التغييرات والتعديلات على الدستور التركي وأجري استفتاء عام عليه فصدق عليه الشعب التركي وتم قبوله، وعرف ذلك بدستور 1982، وهو الدستور المعتمد حتى اليوم.
شاركت ثلاثة أحزاب فقط في أول انتخابات نيابية أجريت بعد انقلاب 1980. ولأول مرة وبعد مدة طويلة تمكن أحد الأحزاب من التربع على دفة الحكم بمفرده. كان نجم الساحة حزب الوطن الأم بزعامة تورغوط أوزال الذي كان يعمل مديرا في مؤسسة الإحصائيات الدولية. حصل أوزال على 45% من الأصوات ودخل البرلمان بأغلبية ساحقة وفاز بـ212 مقعدا نيابيا.
وفي عام 1987 دعا أوزال البرلمان إلى إجراء انتخابات مبكرة، وكان ذلك بداية سلسلة الانتخابات المبكرة بعد انقلاب 1980 والتي استمرت حتى يومنا هذا. والطريف أن الدستور التركي لعام 1982 رفع فترة الانتخابات النيابية العامة من أربع سنوات إلى خمس سنوات، لكن هذا الحكم لم ينتقل إلى حيز التنفيذ أبدا. فمع أول انتخابات مبكرة أجريت في عام 1987 اعتادت السياسة التركية على إجراء الانتخابات المبكرة. حصل حزب الوطن الأم في انتخابات 1987 على 36% من الأصوات وتربع على دفة الحكم بمفرده كما كان في المرة السابقة.
وفي 31 أكتوبر/تشرين الأول 1989 انتخب البرلمان التركي أوزال رئيسا للجمهورية التركية مخلفا وراءه يلديريم أق بولوط زعيما للحزب ورئيسا للوزراء. والجدير بالذكر أن أوزال هو أول زعيم مدني تولى منصب رئيس الجمهورية منذ تأسيسها في حين كان الرؤساء السابقون يعودون إلى جذور عسكرية. وكانت رئاسة أوزال بداية الرؤساء المدنيين وتلاه سليمان ديميرل ومن بعده أحمد نجدت سيزر. وعندما اندلعت حرب الخليج كان تورغوط أوزال رئيس الجمهورية، ووقف في الحرب مع التحالف الدولي الذي قادته الولايات المتحدة على العراق، لكن تركيا كانت الخاسر الأكبر في هذه الحرب بعد العراق، وما زالت تعاني من أضرار مالية كبيرة بلغت مائة مليار دولار حتى اليوم بسبب الحصار الاقتصادي المفروض على العراق على حد قول المسؤولين.
ومرة أخرى عادت البلاد إلى عهد الحكومات الائتلافية التي استمرت حتى اليوم حيث شكل سليمان ديميرل ائتلافا مع حزب الشعب الديمقراطي الاشتراكي. وبعد وفاة رئيس الجمهورية تورغوط أوزال تم انتخاب سليمان ديميرل رئيسا جديدا للجمهورية مخلفا وراءه تانسو تشيلر زعيمة للحزب.
أما انتخابات 1995 فقد كانت يوم انتصار الإسلاميين إذ حصل حزب الرفاه بزعامة نجم الدين أربكان على 158 مقعدا، وحزب الطريق القويم على 135، وحزب الوطن الأم على 132، وحزب الشعب الجمهوري بزعامة دنيز بايكل على 49، وحزب اليسار الديمقراطي بزعامة بولنت أجاويد على 76.
هل كان يتوقع نجم الدين أربكان النهاية المأساوية التي سيتعرض لها عندما تولى منصب رئيس الوزراء بعد تشكيل حكومة ائتلافية مع تانسو تشيلر زعيمة حزب الطريق القويم. لقد حفرت دورة رئاسة نجم الدين أربكان نفسها في أذهان الشعب التركي وكانت تجربة هامة لمحاسبة بعض التيارات الإسلامية -ومن بينها حزب الرفاه نفسه- على مواقفها وإعادة النظر في مخططاتها وتصريحاتها وتصرفاتها.
كانت تركيا قد نسيت كابوس الانقلابات العسكرية بعد انقلاب 1980، كما توقفت عادة الانقلابات التي كانت تكرر نفسها كل عشر سنوات، ولكنها عادت هذه المرة بطراز آخر وبصورة غير مألوفة، فقد قدمت القيادة العسكرية في مجلس الأمن الوطني يوم 28 فبراير/شباط 1997 مجموعة من القرارات طلبت من الحكومة أن تنفذها فورا لمكافحة ما سمته الرجعية في البلاد وسد جميع الطرق أمام الحركات والتيارات الدينية. كان ذلك انقلابا من نوع آخر أدى إلى سقوط حكومة أربكان وحل حزب الرفاه ومن بعده حزب الفضيلة وحظر على نجم الدين أربكان ممارسة النشاط السياسي والترشح لعضوية البرلمان هو وبعض رفاقه البارزين في الحزب.
وعرفت هذه القرارات بقرارات 28 فبراير/شباط وتم عن طريقها إغلاق آلاف مدارس تعليم القرآن الكريم ومئات المعاهد التي تخرج الأئمة والخطباء، ومنعت المتحجبات من دخول الجامعات حتى في كلية الإلهيات ومدارس الأئمة والخطباء..
لقد كانت نتائج انتخابات 1999 مفاجئة بالنسبة لكثير من الناس حيث تمكن السياسي المخضرم والطاعن في السن بولنت أجاويد زعيم حزب اليسار الديمقراطي من إحراز نجاح كبير بدخوله البرلمان في المركز الأول حاصلا على 136 مقعدا بنسبة 22.09% من الأصوات. كان من المفاجئ أيضا بزوغ نجم حزب العمل القومي بزعامة دولت بهجلي عندما حصل على 129 مقعدا بنسبة 17.99% من الأصوات. أما حزب الفضيلة الإسلامي بزعامة رجائي قوطان فقد تراجعت أصواته إلى 15.4% حاصلا على 111 مقعدا في البرلمان. وانخفضت مرتبة حزب وسط اليمين أي حزب الوطن الأم وحزب الطريق القويم إلى الرابع والخامس. والجدير بالذكر أن حزب الشعب الجمهوري لم يتمكن من دخول البرلمان. وشكل بولنت أجاويد حكومة ائتلافية مع حزب العمل القومي وحزب الوطن الأم، وهي الحكومة الحالية.
تركيا تستعد لخوض انتخابات تشريعية يوم 3 نوفمبر/تشرين الثاني 2002 للمرة الرابعة عشرة في تاريخها. لقد تم تشكيل 56 حكومة في غضون 79 عاما، وستخرج حكومة جديدة من صندوق الاقتراع في الثالث من نوفمبر/تشرين الثاني، كما تم إنشاء ما يقارب 200 حزب حتى اليوم!! أليس هذا كثيرا؟ لا شك أن لهذه الصورة دلالات كثيرة.
أول انتخابات نيابية عامة
انقلاب 1960
إخطار 12 مارس
انقلاب 1980
عهد أوزال
عودة الحكومات الائتلافية
رئاسة أربكان
تخوض الجمهورية التركية في الثالث من نوفمبر/تشرين الثاني 2002 الانتخابات التشريعية الرابعة عشرة منذ تأسيسها في عام 1923. لقد شهد تاريخ تركيا الحديث حوالي 200 حزب سياسي حتى اليوم، لكننا لا نذكر معظم أسمائها ولا رموزها، لأنها انطوت في صفحات التاريخ. وقد تم تشكيل 56 حكومة منذ أول انتخابات نيابية جادة عام 1950، واستلم السلطة بمفرده الحزب الديمقراطي (DP) ثلاث مرات، في حين فاز بها حزب العدالة (AP) مرتين، وحزب الوطن الأم (ANAP) مرتين كذلك. والجدير بالذكر أن هذه الأحزاب الثلاثة كلها أحزاب تمثل وسط اليمين، ولم يتمكن اليسار من التفرد بالسلطة منذ أن انتقلت تركيا إلى التعددية السياسية عام 1950 حتى يومنا هذا.
لقد تم تشكيل أول حزب سياسي في تاريخ تركيا من قبل مصطفى كمال أتاتورك سنة 1923، وهو حزب الشعب الجمهوري. وتشكلت أحزاب مختلفة في السنوات التالية في الأعوام 1924 و1930، لكنها لم تجد الجو الملائم لمواصلة نشاطها السياسي فأغلقت. وعاشت البلاد وتيرة حكم الحزب الواحد حتى نهاية الحرب العالمية الثانية. ورغم أن تركيا لم تدخل الحرب فإن انعكاساتها كانت قاسية عليها حيث عصفت بالبلاد أزمة اقتصادية عنيفة حتى بات لا يجد المواطن الخبز إلا بالوثيقة، وكانت حرية التعبير شبه معدومة والنظام أقرب إلى الدكتاتورية. أضف إلى ذلك أن الشعب التركي لم يكن يتمكن من أداء الشعائر الدينية بحرية، فالأذان كان يسمح به باللغة التركية فقط والمدارس الدينية أغلقت. وساعد الاقتصاد السيئ وتضييق الخناق على حرية التعبير والدين في تشكيل جبهة معارضة ضد حزب الشعب الجمهوري الحاكم. كانت البلاد تحتاج إلى تغيير مع تغير القوى في التوازن الدولي بعد الحرب العالمية الثانية.
أول انتخابات نيابية عامة
”تربع رئيس الوزراء عدنان مندرس في قلب الشعب عندما أعاد الأذان إلى أصله باللغة العربية وأدخل الدروس الدينية إلى المدارس العامة وفتح أول معهد ديني عال إلى جانب مراكز تعليم القرآن الكريم”
وفي عام 1945 شهدت الساحة السياسية التركية خروج أربعة نواب على قيادة حزب الشعب الجمهوري بسبب سياساته السيئة. كان هؤلاء الأربعة هم عدنان مندرس وجلال بيار وفؤاد كوبرولو ورفيق قورالتان. وبعد أن تم إخراجهم من الحزب أعلنوا تشكيل حزب جديد أسموه الحزب الديمقراطي (DP) وانتخبوا عدنان مندرس زعيما له. وهكذا انفتح الطريق أمام تأسيس الأحزاب السياسية وتم كسر ربقة الحزب الواحد في السياسة التركية.
وفي أول انتخابات أجريت في 21 يوليو/تموز 1946 دخلت تركيا الحياة الديمقراطية وإن لم يخل ذلك من معوقات حيث لم تكن عملية إدلاء الأصوات سرية، في حين كانت عملية الفرز غاية في السرية. ولم يتمكن الحزب الديمقراطي من المشاركة في الانتخابات إلا في 16 محافظة، فحصل على 62 نائبا رغم ذلك، في حين فاز حزب الشعب الجمهوري بـ396 مقعدا في البرلمان.
كانت انتخابات 1950 منعطفا تاريخيا هاما في مسيرة تركيا الديمقراطية حيث انتصر الحزب الديمقراطي على حزب الشعب الجمهوري بأغلبية ساحقة هذه المرة. كان يدعو إلى التجديد والحرية والديمقراطية والانفتاح على العالم وإنشاء المصانع وفتح المدارس والجامعات وجعل تركيا أميركا صغيرة. ولأول مرة في تاريخ تركيا فقد الحزب الحاكم السلطة التي تولاها مدة 27 عاما. حصل الحزب الديمقراطي على نسبة 52.68% من الأصوات وفاز بـ397 مقعدا من مجموع 487 مقعدا في البرلمان وتفرد بالسلطة. تولى عدنان مندرس منصب رئيس الوزراء، أما جلال بيار فانتخب رئيسا للجمهورية.
تعتبر هذه الفترة فترة خروج تركيا من عزلتها وكسرها للأغلال التي تحيط بها حيث انضمت إثر ذلك إلى عضوية حلف شمال الأطلسي (الناتو) وأرسلت كتيبة إلى حرب كوريا طبقا لقرارات الأمم المتحدة. ودخلت البلاد في مرحلة عمرانية جيدة، فتم تأسيس المصانع وإنشاء السدود والطرقات والجسور والمدارس والجامعات. وتربع رئيس الوزراء عدنان مندرس في قلب الشعب عندما أعاد الأذان إلى أصله باللغة العربية وأدخل الدروس الدينية إلى المدارس العامة وفتح أول معهد ديني عال إلى جانب مراكز تعليم القرآن الكريم.
في انتخابات 1954 أعرب الشعب عن حبه وتقديره لمندرس فازدادت أصواته وحصل على 503 مقاعد من أصل 541، واستلم مقاليد الحكم لوحده مرة أخرى، في حين بقي لحزب الشعب الجمهوري 31 مقعدا فقط. لكن الرجل لم يكن يملك عصا سحرية يستطيع أن يحل بها كل مشكلات البلاد، فرغم كافة الإصلاحات والإنجازات الموفقة فإن البلاد كانت تعاني من اقتصاد متدهور وتحتاج إلى مزيد من الديمقراطية والحرية. وانعكست مشكلات هذه الفترة على انتخابات 1957 بعض الشيء، لكنها لم تسلب السلطة من يد مندرس. وكانت نتيجة الانتخابات أن حصل الحزب الديمقراطي على نسبة 48% وشغل 424 مقعدا من أصل 610 في البرلمان، في حين فاز حزب الشعب الجمهوري بـ41% من الأصوات وشغل 178 مقعدا.
انقلاب 1960
”في صباح 27 مايو/ أيار 1960 سمع الشعب التركي من الإذاعة صوت العقيد ألب أرسلان تركش يعلن وضع القوات المسلحة يدها على الحكم ووجه الاتهام إلى مندرس بقلب نظام الدولة العلماني وإقامة دولة دينية، وكان هذا بداية الانقلابات العسكرية التي اعتادت بعد ذلك تعطيل الحياة الديمقراطية التركية كل عشرة أعوام”
أثارت شعبية مندرس وإنجازاته وتوسيعه لدائرة الحريات الدينية حفيظة بعض الأوساط المعادية للديمقراطية والإسلام والتي تعتمد القوة في حل مشاكلها، فشهدت تركيا حركة معارضة لسياسات الحكومة داخل شبان الجيش وطلاب الجامعات، وتفجرت أحداث شغب ومواجهات في الجامعات وانهمرت تيارات الطلاب في مظاهرات كبيرة في شوارع إسطنبول وأنقرة. وأخيرا قام طلاب مدرسة القوات البرية بمسيرة صامتة إلى مجلس الشعب في أنقرة احتجاجا على سياسات مندرس.
كان المتظاهرون يدّعون أن عدنان مندرس يعتزم قلب النظام العلماني وإقامة دولة دينية. وفي صباح 27 مايو/أيار 1960 سمع الشعب التركي من الإذاعة صوت العقيد ألب أرسلان تركش يعلن وضع القوات المسلحة يدها على الحكم. كان هذا بداية الانقلابات العسكرية التي اعتادت بعد ذلك تعطيل الحياة الديمقراطية التركية كل عشرة أعوام. وأمسكت بزمام الحكم مجموعة من الضباط تألفت من 38 ضابطا برئاسة الجنرال جمال جورسل، وأحيل 235 جنرالا وخمسة آلاف ضابط بينهم رئيس الأركان العسكرية إلى المعاش.
أغلقت القيادة العسكرية الحزب الديمقراطي وألقت القبض على رئيس الوزراء عدنان مندرس ورئيس الجمهورية جلال بيار ورفاقه، وأرسل بهم إلى سجن في جزيرة يصي أدا، وبدأت مطاردة الديمقراطيين في كافة أنحاء البلاد. قامت لجنة من العسكريين بمحاكمة المعتقلين في جزيرة يصي أدا، وفي 15 سبتمبر/أيلول 1961 حكمت بالسجن مدى الحياة على رئيس الجمهورية، وبالإعدام على كل من رئيس الوزراء عدنان مندرس ووزير خارجيته فطين رشدي زورلو ووزير ماليته حسن بولاتقان بحجة اعتزامهم قلب النظام العلماني وتأسيس دولة دينية بدلا مكانه. وفي اليوم التالي بعد إصدار القرار أي في 16 سبتمبر/أيلول 1960 تم إعدام رئيس الوزراء عدنان مندرس.
كانت مأساة مؤلمة.. كان الشعب يبكي بأنات مكتومة.. وكان العالم يشاهد الصورة بذهول.. كانت صفحة سوداء في تاريخ تركيا. وبعد أيام نفذ حكم الإعدام بحق رشدي زورلو وحسن بولاتقان، ودفن جثمان الثلاثة في الجزيرة. وبعد عقود وبجهود من رئيس الجمهورية المرحوم تورغوط أوزال تم نقل رفات الثلاثة إلى ضريح خصص لهم في إسطنبول وأعيد اعتبارهم بقرار من البرلمان.
سعت القيادة العسكرية بعد ذلك إلى إخراج دستور يحميها من مغبة الأيام المقبلة، وعقد استفتاء عام على هذا الدستور الذي عرف بدستور 1961 وصدق الشعب عليه بالإيجاب.
وفي عام 1961 تم إجراء الانتخابات التشريعية العامة وانتقلت البلاد إلى النظام الديمقراطي مرة أخرى. كان حزب الشعب الجمهوري يتوقع أن يحصل على أغلبية الأصوات في هذه الانتخابات، لكن الشعب لم يكن ليسمح له بالتفرد بالسلطة بعد أن ذاق من ويلاته في السنوات الماضية ما ذاق. وحصل حزب الشعب الجمهوري بزعامة عصمت إينونو على 173 مقعدا، في حين حصل حزب العدالة الذي كان يعتبر شبه امتداد للحزب الديمقراطي على 158 مقعدا في البرلمان.
وهكذا تشكلت أول حكومة ائتلافية في تاريخ تركيا برئاسة عصمت إينونو. كانت النخبة العسكرية التي قامت بالانقلاب ترى في تولي عصمت إينونو لمنصب رئاسة الوزراء ضمانا لها، ومن ثم تولى إينونو هذا المنصب في كافة الحكومات الائتلافية عدا مرة واحدة.
وفي انتخابات 1965 ظهر في الساحة السياسية سليمان ديميرل زعيما لحزب العدالة الذي خرج يمثل توجهات الحزب الديمقراطي المحظور. حصل ديميريل على 52.8% من الأصوات وأحرز 240 مقعدا في البرلمان، في حين كان نصيب حزب الشعب الجمهوري 28.7% و134 مقعدا.
وازدادت شعبية حزب العدالة بقيادة سليمان ديميرل في الانتخابات التالية عام 1969، فقد تمكن في هذه المرة من التفرد بالسلطة وحصل على 46.5% من الأصوات و256 مقعدا في البرلمان. وفي تلك الأيام بالذات شهدت الساحة السياسية التركية شخصية أخرى اسمها نجم الدين أربكان. أراد أربكان أن يخوض الانتخابات النيابية في صفوف حزب العدالة، لكن طلبه رفض من قبل الحزب، فترشح من محافظة قونيا ودخل البرلمان عضوا مستقلا.
إخطار 12 مارس
بعد أن تولى حزب العدالة السلطة بمفرده ودخلت البلاد مرحلة من الحرية والاستقرار تمكنت التيارات الشيوعية والثورية من الانتشار في كل مكان وراحت تدعو إلى مزيد من الحرية وقلب نظام الحكم. وتبع ذلك أحداث شغب ومواجهات طلابية في الجامعات حتى بلغت أقصى حدتها عام 1970. أثناء ذلك حاولت مجموعة من الضباط الشيوعيين القيام بانقلاب عسكري في 9 مارس/آذار 1971 لكنه وقع اختلاف بينهم وتمكن القادة العسكريون من القبض عليهم وتصفية 13 من الضباط. لكن الأحداث لم تقف عند هذا الحد، فقد أعلن الجنرالات في 12 مارس/آذار 1971 أن الأمن المتدهور والفوضى القائمة والمواجهات الدموية تجبرهم على وضع قبضتهم على مقاليد السلطة. وفي اليوم نفسه استقال رئيس الوزراء سليمان ديميرل حاملا معه قبعته المشهورة.”التيارات والتوجهات الرئيسية حافظت على وجودها في الحياة السياسية التركية على الدوام وإن تغيرت أسماء الأحزاب التي مثلتها”
لم تنتقل البلاد إلى الحياة الديمقراطية حتى عام 1973. وفي هذه الفترة شكل نجم الدين أربكان حزب النظام الوطني سنة 1970، لكن محكمة الدستور أصدرت حكما بإغلاقه بدعوى توجهه الإسلامي ومعارضته للنظام العلماني ونيته إقامة دولة دينية. فشكل أربكان حزبا آخر باسم حزب السلامة الوطني في 11 أكتوبر/تشرين الأول 1972. من جانب آخر أسس ألب أرسلان تركش زعيم الحركة القومية في تركيا حزب الحركة القومية وخاض بها انتخابات 1973.
والجدير بالذكر أن التيارات والتوجهات الرئيسية حافظت على وجودها في الحياة السياسية التركية على الدوام وإن تغيرت أسماء الأحزاب التي مثلتها. فنحن نرى أن وسط اليمين الذي كان يمثله في البداية الحزب الديمقراطي بزعامة عدنان مندرس استمر في خط مستقيم عبر حزب العدالة بزعامة سليمان ديميرل وتلاه حزب الوطن الأم بزعامة تورغوط أوزال في الثمانينيات وحزب الطريق القويم في التسعينيات. ونجد أن وسط اليسار احتفظ بوجوده عبر حزب الشعب الجمهوري في الخمسينيات والستينيات والسبعينيات، ولما تم حظره بعد الانقلاب العسكري سنة 1980 حلت محله أحزاب يسارية أخرى أهمها حزب الشعب الاشتراكي الديمقراطي وحزب اليسار الديمقراطي وحزب الشعب الجمهوري مرة أخرى. أما الحركة السياسية الإسلامية التي بدأت مسيرتها بزعامة نجم الدين أربكان بحزب النظام الوطني فقد واصلت طريقها بحزب السلامة الوطني ثم حزب الرفاه الإسلامي ثم حزب الفضيلة الذي تمخض عنه حزب العدالة والتنمية وحزب السعادة. كما واصلت الحركة القومية وجودها تحت أسماء مختلفة مثل حزب الحركة القومية وحزب العمل القومي وحزب الاتحاد الكبير. وهذه التيارات هي التيارات الأربعة التي تقوم عليها السياسة التركية والتي تعكس توجهات الشعب التركي.
انقلاب 1980
”دخلت البلاد مرحلة من الفوضى بين التيارات اليمينية واليسارية، واشتبك القوميون مع الاشتراكيين والشيوعيين وحصلت مواجهات دموية، وعم الشوارع فوضى رهيبة، وفقدت حكومة ديميرل سيطرتها على الأحداث مما أدى إلى تدخل الجيش للمرة الثالثة في تاريخ تركيا”
وفي انتخابات 1973 كان زعيم حزب الشعب الجمهوري هو بولنت أجاويد الذي حصل على 33% من الأصوات و185 مقعدا بدخوله البرلمان في المركز الأول،
أما حزب العدالة بزعامة ديميرل فحصل على نسبة 29.8% و149 مقعدا، وحزب السلامة الوطني بزعامة أربكان فاز بـ48 مقعدا، في حين لم يحصل حزب الحركة القومية إلا على ثلاثة مقاعد. وتشكلت حكومة ائتلافية برئاسة بولنت أجاويد بين حزب الشعب الجمهوري وحزب السلامة الوطني. وقامت حكومة أجاويد في هذه الفترة بقيادة العملية العسكرية في جزيرة قبرص سنة 1974 واشتهر أجاويد بين الشعب التركي بلقب "فاتح قبرص". لكن هذا اللقب لم يمكنه من التفرد بالسلطة في انتخابات 1977 رغم حصوله على أغلبية الأصوات، فاضطر إلى تشكيل ائتلاف مع سليمان ديميرل.
في هذه الأثناء دخلت البلاد مرحلة من الفوضى بين التيارات اليمينية واليسارية، واشتبك القوميون مع الاشتراكيين والشيوعيين وحصلت مواجهات دموية، وعم الشوارع فوضى رهيبة، وفقدت حكومة سليمان ديميرل سيطرتها على الأحداث، الأمر الذي شكل دعوة صريحة للقوات المسلحة للقبض على مقاليد السلطة مرة ثالثة في تاريخ تركيا.
في صباح 12 سبتمبر/أيلول 1980 أعلن رئيس أركان القوات المسلحة كنعان أوفرين تسلمه لقيادة البلاد وإعلان حالة الطوارئ وحل الحكومة الحالية وحل الأحزاب السياسية والقبض على كافة زعماء الأحزاب والنواب من أجل محاكمتهم.
لم تتمكن البلاد من العودة إلى الحياة السياسية الطبيعية إلا بعد ثلاث سنوات. وخلال هذه الفترة أدخلت بعض التغييرات والتعديلات على الدستور التركي وأجري استفتاء عام عليه فصدق عليه الشعب التركي وتم قبوله، وعرف ذلك بدستور 1982، وهو الدستور المعتمد حتى اليوم.
شاركت ثلاثة أحزاب فقط في أول انتخابات نيابية أجريت بعد انقلاب 1980. ولأول مرة وبعد مدة طويلة تمكن أحد الأحزاب من التربع على دفة الحكم بمفرده. كان نجم الساحة حزب الوطن الأم بزعامة تورغوط أوزال الذي كان يعمل مديرا في مؤسسة الإحصائيات الدولية. حصل أوزال على 45% من الأصوات ودخل البرلمان بأغلبية ساحقة وفاز بـ212 مقعدا نيابيا.
عهد تورغوط أوزال
حققت البلاد في عهد أوزال إنجازات كبيرة وتطورت بخطوات واسعة، فقد أنشئت المصانع والسدود الضخمة والطرق العامة والجسور الكبيرة والمدارس والجامعات في كافة أنحاء تركيا. وسجلت البلاد قفزة اقتصادية عظيمة لم تتمكن من تحقيقها من قبل. فقد كان الرجل زعيما بحق، خبيرا في السياسة والاقتصاد، مدركا لهموم شعبه، صاحب نظر بعيد وبصيرة عميقة ومشروعات كبيرة، إضافة إلى أنه استطاع أن يجمع التيارات الأربعة تحت مظلته، أي اليمين واليسار والقومي والمتدين، ووسع نطاق حرية الفكر والتعبير وفتح قنوات تلفزيونية جديدة وصحفا ومجلات. كما وسع نطاق حرية النشاط الديني، فقد كان رجلا ملتزما ذكيا. وقام بفتح مئات من مدارس الأئمة والخطباء وآلاف من مدارس تعليم القرآن وآلاف من المساجد والمؤسسات الخيرية. وفي عهده نشأ جيل تركي يمسك بيده اليمنى القرآن وبيده اليسرى الكمبيوتر.”حققت البلاد في عهد أوزال إنجازات كبيرة، وتطورت بخطوات واسعة، فقد أنشئت المصانع والسدود الضخمة والطرق العامة والجسور الكبيرة والمدارس والجامعات في كافة أنحاء تركيا، وسجلت البلاد قفزة اقتصادية عظيمة لم تتمكن من تحقيقها من قبل”
وفي عام 1987 دعا أوزال البرلمان إلى إجراء انتخابات مبكرة، وكان ذلك بداية سلسلة الانتخابات المبكرة بعد انقلاب 1980 والتي استمرت حتى يومنا هذا. والطريف أن الدستور التركي لعام 1982 رفع فترة الانتخابات النيابية العامة من أربع سنوات إلى خمس سنوات، لكن هذا الحكم لم ينتقل إلى حيز التنفيذ أبدا. فمع أول انتخابات مبكرة أجريت في عام 1987 اعتادت السياسة التركية على إجراء الانتخابات المبكرة. حصل حزب الوطن الأم في انتخابات 1987 على 36% من الأصوات وتربع على دفة الحكم بمفرده كما كان في المرة السابقة.
وفي 31 أكتوبر/تشرين الأول 1989 انتخب البرلمان التركي أوزال رئيسا للجمهورية التركية مخلفا وراءه يلديريم أق بولوط زعيما للحزب ورئيسا للوزراء. والجدير بالذكر أن أوزال هو أول زعيم مدني تولى منصب رئيس الجمهورية منذ تأسيسها في حين كان الرؤساء السابقون يعودون إلى جذور عسكرية. وكانت رئاسة أوزال بداية الرؤساء المدنيين وتلاه سليمان ديميرل ومن بعده أحمد نجدت سيزر. وعندما اندلعت حرب الخليج كان تورغوط أوزال رئيس الجمهورية، ووقف في الحرب مع التحالف الدولي الذي قادته الولايات المتحدة على العراق، لكن تركيا كانت الخاسر الأكبر في هذه الحرب بعد العراق، وما زالت تعاني من أضرار مالية كبيرة بلغت مائة مليار دولار حتى اليوم بسبب الحصار الاقتصادي المفروض على العراق على حد قول المسؤولين.
عودة الحكومات الائتلافية
وفي عام 1991 تولى مسعود يلماظ زعامة حزب الوطن الأم، وخرج من انتخابات 1991 في المركز الثاني إذ لم يحصل إلا على 115 مقعدا في البرلمان، في حين فاز حزب الطريق القويم بزعامة سليمان ديميرل بالمركز الأول حاصلا على 178 مقعدا. وحصل حزب الشعب الديمقراطي الاشتراكي بزعامة أردال إينونو على 88، وحزب الرفاه الإسلامي بزعامة نجم الدين أربكان على 62، وحزب اليسار الديمقراطي بزعامة بولنت أجاويد على ستة مقاعد.ومرة أخرى عادت البلاد إلى عهد الحكومات الائتلافية التي استمرت حتى اليوم حيث شكل سليمان ديميرل ائتلافا مع حزب الشعب الديمقراطي الاشتراكي. وبعد وفاة رئيس الجمهورية تورغوط أوزال تم انتخاب سليمان ديميرل رئيسا جديدا للجمهورية مخلفا وراءه تانسو تشيلر زعيمة للحزب.
أما انتخابات 1995 فقد كانت يوم انتصار الإسلاميين إذ حصل حزب الرفاه بزعامة نجم الدين أربكان على 158 مقعدا، وحزب الطريق القويم على 135، وحزب الوطن الأم على 132، وحزب الشعب الجمهوري بزعامة دنيز بايكل على 49، وحزب اليسار الديمقراطي بزعامة بولنت أجاويد على 76.
رئاسة أربكان
”قدمت القيادة العسكرية في مجلس الأمن الوطني يوم 28 فبراير/شباط 1997 مجموعة من القرارات طلبت من الحكومة أن تنفذها فورا لسد جميع الطرق أمام الحركات والتيارات الدينية وكان ذلك انقلابا من نوع آخر أدى إلى سقوط حكومة أربكان وحل حزب الرفاه ومن بعده الفضيلة وحظر على أربكان ممارسة النشاط السياسي والترشح لعضوية البرلمان هو وبعض رفاقه البارزين في الحزب”
هل كان يتوقع نجم الدين أربكان النهاية المأساوية التي سيتعرض لها عندما تولى منصب رئيس الوزراء بعد تشكيل حكومة ائتلافية مع تانسو تشيلر زعيمة حزب الطريق القويم. لقد حفرت دورة رئاسة نجم الدين أربكان نفسها في أذهان الشعب التركي وكانت تجربة هامة لمحاسبة بعض التيارات الإسلامية -ومن بينها حزب الرفاه نفسه- على مواقفها وإعادة النظر في مخططاتها وتصريحاتها وتصرفاتها.
كانت تركيا قد نسيت كابوس الانقلابات العسكرية بعد انقلاب 1980، كما توقفت عادة الانقلابات التي كانت تكرر نفسها كل عشر سنوات، ولكنها عادت هذه المرة بطراز آخر وبصورة غير مألوفة، فقد قدمت القيادة العسكرية في مجلس الأمن الوطني يوم 28 فبراير/شباط 1997 مجموعة من القرارات طلبت من الحكومة أن تنفذها فورا لمكافحة ما سمته الرجعية في البلاد وسد جميع الطرق أمام الحركات والتيارات الدينية. كان ذلك انقلابا من نوع آخر أدى إلى سقوط حكومة أربكان وحل حزب الرفاه ومن بعده حزب الفضيلة وحظر على نجم الدين أربكان ممارسة النشاط السياسي والترشح لعضوية البرلمان هو وبعض رفاقه البارزين في الحزب.
وعرفت هذه القرارات بقرارات 28 فبراير/شباط وتم عن طريقها إغلاق آلاف مدارس تعليم القرآن الكريم ومئات المعاهد التي تخرج الأئمة والخطباء، ومنعت المتحجبات من دخول الجامعات حتى في كلية الإلهيات ومدارس الأئمة والخطباء..
لقد كانت نتائج انتخابات 1999 مفاجئة بالنسبة لكثير من الناس حيث تمكن السياسي المخضرم والطاعن في السن بولنت أجاويد زعيم حزب اليسار الديمقراطي من إحراز نجاح كبير بدخوله البرلمان في المركز الأول حاصلا على 136 مقعدا بنسبة 22.09% من الأصوات. كان من المفاجئ أيضا بزوغ نجم حزب العمل القومي بزعامة دولت بهجلي عندما حصل على 129 مقعدا بنسبة 17.99% من الأصوات. أما حزب الفضيلة الإسلامي بزعامة رجائي قوطان فقد تراجعت أصواته إلى 15.4% حاصلا على 111 مقعدا في البرلمان. وانخفضت مرتبة حزب وسط اليمين أي حزب الوطن الأم وحزب الطريق القويم إلى الرابع والخامس. والجدير بالذكر أن حزب الشعب الجمهوري لم يتمكن من دخول البرلمان. وشكل بولنت أجاويد حكومة ائتلافية مع حزب العمل القومي وحزب الوطن الأم، وهي الحكومة الحالية.
تركيا تستعد لخوض انتخابات تشريعية يوم 3 نوفمبر/تشرين الثاني 2002 للمرة الرابعة عشرة في تاريخها. لقد تم تشكيل 56 حكومة في غضون 79 عاما، وستخرج حكومة جديدة من صندوق الاقتراع في الثالث من نوفمبر/تشرين الثاني، كما تم إنشاء ما يقارب 200 حزب حتى اليوم!! أليس هذا كثيرا؟ لا شك أن لهذه الصورة دلالات كثيرة.
noeeleesa- عدد الرسائل : 404
السٌّمعَة : 0
نقاط : 16226
تاريخ التسجيل : 11/02/2009
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الجمعة يونيو 02, 2017 4:14 pm من طرف noeeleesa
» 22 ماده سامه في منازلكم ...؟؟؟؟
الثلاثاء مايو 23, 2017 2:42 am من طرف noeeleesa
» فستق العبيد - الفول السوداني
الأحد مايو 14, 2017 10:04 am من طرف noeeleesa
» حلف الناتو الشيطان الملعون
السبت فبراير 18, 2017 6:59 am من طرف noeeleesa
» حلف الناتو الشيطان الملعون
السبت فبراير 18, 2017 6:56 am من طرف noeeleesa
» العلمانية العلاج الوحيد لامن واستقرار الامم والشعوب
الخميس يناير 26, 2017 6:53 pm من طرف noeeleesa
» تعرف على أنواع الصوص المختلفة وتاريخها
الخميس ديسمبر 08, 2016 12:45 am من طرف noeeleesa
» تقضي على السعال، وتزيل أثار البرد العام.
الإثنين أكتوبر 24, 2016 7:12 pm من طرف noeeleesa
» نباتات عامة
الجمعة أكتوبر 21, 2016 9:31 am من طرف noeeleesa